سورة طه - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)}
خاطب الاثنين، ووجه النداء إلى أحدهما وهو موسى؛ لأنه الأصل في النبوّة، وهارون وزيره وتابعه. ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه. لما عرف من فصاحة هارون والرتة في لسان موسى. ويدل عليه قوله: {أم أنا خير من هذا الذى هو مهين ولا يكاد يبين} [الزخرف: 52] {خَلَقَهُ} أول مفعولي أعطى، أي: أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به. أو ثانيهما، أي: أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان: كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة، غير ناب عنه. أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة، حيث جعل الحصان والحِجر. زوجين، والبعير والناقة، والرجل والمرأة، فلم يزاوج منها شيئاً غير جنسه وما هو على خلاف خلقه. وقرئ {خَلَقَهُ} صفة للمضاف أو للمضاف إليه، أي: كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه {ثُمَّ هدى} أي عرف كيف يرتفق بما أعطى، وكيف يتوصل إليه. ولله درّ هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه، وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق.


{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)}
سأله عن حال من تقدم وخلا من القرون، وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد، فأجابه بأنّ هذا سؤال عن الغيب، وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو، وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب، وعلم أحوال القرون مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ، لا يجوز على الله أن يخطيء شيئاً أو ينساه. يقال: ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له، كقولك: ضللت الطريق والمنزل. وقرئ {يضل} من أضله إذا ضيعه.
وعن ابن عباس: لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه، ولا يترك من وحده حتى يجازيه. ويجوز أن يكون فرعون قد نازعه في إحاطة الله بكل شيء وتبينه لكل معلوم، فتعنت، وقال: ما تقول في سوالف القرون، وتمادي كثرتهم، وتباعد أطراف عددهم، كيف أحاط بهم وبأجزائهم وجواهرهم؟ فأجاب بأنّ كل كائن محيط به علمه، وهو مثبت عنده في كتاب، ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان، كما يجوزان عليك أيها العبد الذليل والبشر الضئيل، أي: لا يضلّ كما تضل أنت، ولا ينسى كما تنسى يا مدعي الربوبية بالجهل والوقاحة {الذى جَعَلَ} مرفوع صفة لربي. أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح، وهذا من مظانه ومجازه {مَهْداً} قراءة أهل الكوفة، أي: مهدها مهداً. أو يتمهدونها فهي لهم كالمهد وهو ما يمهد للصبي {وَسَلَكَ} من قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42]، {سَلَكْنَاهُ} [الشعراء: 200]، {نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المجرمين} [الحجر: 12] أي حصل لكم فيها سبلاً ووسطها بين الجبال والأودية والبراري {فَأَخْرَجْنَا} انتقل فيه من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع، لما ذكرت من الافتنان والإيذان بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره، وتذعن الأجناس المتفاوتة لمشيئته، لا يمتنع شيء عن إرادته. ومثله قوله تعالى: {وَهُوَ الذى أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْء} [الأنعام: 99]، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} [فاطر: 27]، {أَمَّنْ خَلَقْنَا السماوات والارض وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء مآء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: 60] وفيه تخصيص أيضاً بأنا نحن نقدر على مثل هذا، ولا يدخل تحت قدرة أحد {أزواجا} أصنافاً، سميت بذلك لأنها مزدوجة ومقترنة بعضها مع بعض {شتى} صفة للأزواج، جمع شتيت، كمريض ومرضى. ويجوز أن يكون صفة للنبات. والنبات مصدر سمي به النابت كما سمي بالنبت، فاستوى فيه الواحد والجمع، يعني أنها شتى مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم. قالوا: من نعمته عزّ وعلا أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام. وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله، أي قائلين: {كُلُواْ وارعوا} حال من الضمير في {فَأَخْرَجْنَا} المعنى: أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها.


{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)}
أراد بخلقهم من الأرض خلق أصلهم هو آدم عليه السلام منها. وقيل: إنّ الملك لينطلق فيأخذ من تربة المكان الذي يدفن فيه فيبدّدها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة معاً. وأراد بإخراجهم منها أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب، ويردّهم كما كانوا أحياء، ويخرجهم إلى المحشر {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً} [المعارج: 43] عدّد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم، حيث جعلها لهم فراشاً ومهاداً يتقبلون عليها، وسوّى لهم فيها مسالك يتردّدون فيها كيف شاؤوا، وأنبت فيها أصناف النبات التي منها أقواتهم وعلوفات بهائمهم، وهي أصلهم الذي منه تفرعوا، وأمهم التي منها ولدوا، ثم هي كفاتهم إذا ماتوا ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمسّحوا بالأرضِ فإنّها بِكُمْ برّةٌ».

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10